الخالِدَة-فؤاد اليزيد السني(بروكسل/بلجييكا)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
شعر

الخالِدَة

  فؤاد اليزيد السني    

                   -1-

عَيْناكِ ظِلالَ نَخيلٍ ساعَةَ السّحَرْ،
أَم "دَجْلتان" راحَ يَنْأى عَنْهُما القَمَرْ؟
عَيْناكِ حِين تَسْتَعْبِران في أَحْداقِ الرّحيلْ،
و يَتَحَنَّثُ في مِحْرابِهِما الحُبّ المُسْتَحيلْ،
أَشْعُرُ بِأَنّ المَلائِكة يا عِراقْ،
 بِكَفّيْكِ تُناجى أَرْواحها نَشْوانة،
و يَهْطِلُ المَطَرُ يا عِراق ! 
و يَهْطِل المَطَر .. !
مَطَر.. مَطَر .. مَطَر.
و السّيابُ في غَياهِبِ القَبْرِ سَجين،
كآبة هِلالٍ عَلى صَليبِ مَجْدولين.
و لَيْسَ لي مِن صَبْرٍ على جَمْرِ الفِراق،
أنا المُهاجِر إِلَيك مِن مَغْرِبِ "المُوَحّدين".
جُرْحُ العُروبَة أنا و حُسامُ صَلاح الدِّين،
صَوْتُ العُروبَة القادِم بِفِتيانِ الفَتْحِ المُبين،
و بِجِنٍّ مُؤْمِنَةٍ تَصْهَل حَيّ على الجِهاد،
قِيامَةَ عَدْلٍ مِن المَهدِ إلى مُنْتَهى البِلاد،
من "حِطّين" إلى "بَغداد" ف"فلسطين".
سَماءٌ تَساقَطُ أَقْمارُها جَواهِرَ مَطَر،
مطر  .. مطر ..مطر ..                
                    
           -2-

يُحَدّثُني نَجَلُ حُزنُكِ يا عِراق،
عَن مَأْساةِ ِمَشَتْ مِن "كَرْبلاء" إلى "كَرْبلاء"،
و قَدْ تَعاظم المَوتُ و قَد تَفشّى البَلاء،
دَمُ الأَبْرِياءِ ما زال على الإِسْفَلت يُراق،
و نَوايا لُؤْلُؤِ الخَليج مِن خَلْفِ أَسْوارِ الشّقاق،
قَد أَضْرَمَت في سُوَيْداء مُخَيّماتِ الوِصالِ النّبَوي،
نيرانَ الفُرْقَة في مَعْدِنِ النَّسَبِ.
و في إيمانِ شُعوبِ الفُقَراء،
و في دارِ الخَيْزُران،
و في مُنْتَدياتِها الأَماني،
و في حِشْمَتِكِ يا خلافَةَ العَرَب.
فَكَيْفَ باللهِ عَلَينا، تَنَكَّرْنا لَكِ، يا قِبلَة النَّسَبِ؟
كَيْفَ اخْتَبأنا خَلْف السُّجُفِ الحَنْبَلِيّة و القِيان؟
و ها قَد أَصْبَحْتِ كَما أَمَسَيْتِ خَريفَ نِسْرين،  
في انْتِظارِ مَجيءِ رَبيعِ العَجَبِ.
و لام القَسَم يا حَبيبَتي يا عِراق،
بِأَنّي رَأَيْتُ فيما يَرى رائي الدَّراويش،
بِأَنّك قَد بُعِثْت أُمّة لِكُلِّ العِراقِيين،
حَفل عُرسٍ و تاجُ وِئام على كُلّ جَبين،
صُلْحًا عَرَبِيّا و سَلاما كَوْنِيّا مِن رَبِّ العالَمين،
و غَمامَة صَيف و خِلٍّ وَفِيّ و قَطَراتُ مَطر،
مَطر .. مَطر .. مَطر ..
                 
           -3-

عَيْناكِ و قَد مال مَعَ الثُّريا صَهيلُ الأَصيل،
على ذَهَبِ ضِفافِ قُصورِ سامرّاء،
حُزنا على حُزنٍ على قَسماتِ النّخيل،
على زَمَن تآكلَتهُ غِربانُ الغَبراء،
أَقسَمت عَيناك ورَبّ العُروبَة الشّمّاء،
لا لَن تُدَنّسها الغُزاةُ تُربة الخِلافة،
لا لَن تَسْتَسلمَ بَغدادُ و رَبِّ النّور و الحَماسَة،
و رَبِّ المِشْكاةِ و القَلَمِ و الشّرَفِ الرّفيع،
و رَبِّ الرّوحِ و رَيْحانِ "الأَمين".
لَن تَمُرّ مَسْرَحِيّة "كْواتَنامو"
و مَهْزَلَة رُعاةِ البَقَر،
على عُنفَوانِ أَبطالِ العِراق.
لا لَنْ تَمُرَّ .. لنْ تَمُرّ .. لَن تَمُرّ،
على صَدْرِها أُمُّ العُروبَة، 
ما ظلَّ الكِبْرياءُ إِمامُها
و أبوها هِلالٌ حُرٌّ و مَطَر،
مَطر .. مَطر .. مَطر ..

             -4-

"عَيْناكِ غابَتا نَخيلٍ ساعَةَ السّحَر،
أَم شُرْفَتانِ راحَ يَنْأى عَنْهُما القَمر؟"
عَيناك حينَ تَسْجُدان في  بَراءَة الحَريق،
و تُبْحِرُ في غَورَيْهِما قِبلةُ المَغْرِبَين،
أَشْعُر و كاَنّ المُنى يا عِراق،
قد ثَمِلت بِعِشقكِ سَكْرانة.
من "طَنجَة" و من "فواس" و مِن رِباطِ الخَيْل،
و من "مُرّاكُش" و مَآذن "فَرْغانة"،
و من "غَزّة" و "إِسلامَبادَ" و "شيشانَة"
و مِن كُلّ مَآذن "حَيّ على المُجاهِدين .."
"لا بُدّ لِلَّيل الذُّلّ أَن يَنْجلي،
 و لا بُدّ لِلْقَيدِ أَن يَنْكَسِر"، 
و تبعث من قيودها الأُمّة،
و تُعَرّس الخَنْساء تَحتَ المَطر،
عَروسَة  أَمطارٍ غَضْبانة.
كَذلك أَنْبَأتني الحَياة،
و حَدَّثَتْني جَواهِرُ المَطر،
مَطر .. مَطر ..مَطر ..
            
                -5-

يُحَدِّثُني حِدادُكِ يا عِراق،
عَن جَمالٍ خَطَر في الخِمارِ الأَسْوَدِ،
و عن شاعِر أُلْهِمَ بَين الرُّصافَةِ و الجِسْرِ،
و عَن هَوى ساقَه مِن حَيثُ يَدري و لا يَدري،
إلى بَراءَة الدّمِ المُغتال في الخَلاء،
و عن صُلْبُكِ مِن جَديد على رِمالِ الجَلاء،
و أَنْتِ مِن نَفْح روحِ الله يا عِراق،
و مِن وَحْيِها العُلْوِيّ يا "مَدينة السّلام".
و ها هي ذي الرُّسُلُ من أَجْلكِ تُصلّي،
و هو ذا اللهُ لِحُزْنِكِ قَد أَضاءَ قَناديل الوِئام،
و قَضى بِأَن لَن تُسْتَعبدي أَبدا،
 لن تُسْتَذلي قَطُّ، و بِالعراقِيّين إِحْسانا.
و هَطَلَ على مُحَيّاكِ المَطَر،
مَطر .. مَطر .. مَطر ..
                  
             -6-

في دِفْئِ حَنان بَناتِ العِراق،
و في عَذابِ عُيونِهِنّ،
و في خَمْرَة حَيائِهنّ،
و في تَحَصُّنِهِنّ البَديع.
أَبْكتني يا "نازك" جَواهِر قَلبِكِ،
حينَ سُرِقَ القَمَر مِن سَماءِ خَيالِك،
و حينَ بَكَيْتِ كِبرِياء على الحِصْنِ المَنيع،
رَبَّةُ الشِّعْرِ على شَفَتَيكِ أَشْرَقَت، فَتَغَنّت،
و لِمَيْسون الصَّغيرَة حَاكَت الرِّوايَة،
و أَرْوَعَ " حُكَيّة" لَها و لِسارَة و ميْمونَة.
لِطفولَة ما تَزالُ تَحْلُمُ بالقادِم المُحال،
لأَطفالِ العَراق نَسَجْتِ جَواهِر الرّواية،
و حُلما يَشِعّ حَنانا مِن حَلماتِ الأُمومَة،
و نَخيلا عُذْرِيّا و جَنا الجَنّتَيْنِ دان،
"فَبِأَيّ آلاءِ رَبِّكما تُكَذّبان .. "
"فَبِأَيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان .."
و مَشَتِ الرّوحُ على خُطواتِ المَطر،
مَطر .. مَطر .. مَطر ..
             
          -7-

نَخيلٌ و رَحيلٌ و إِسْراءٌ نَبيل،
و حَبيبَتي العِراق في عَبيرِ المَناديل،
على جَبينِ الرّشيد و أُمّه رَيحانَة.
و مَيْسونَة الصّغيرَة ما تَزالُ تَحلُمُ بِالقَمر السَّجين،
دُموعُ الطّفولَة على أَوْتار الخَبَر الدّفين،
تَحْلُم بِعَودَة قَمَر مُهاجِر و آمالٍ رَهينَة،
و بِحُبّ يُراقُ على زِلّيج الهِلال و تُحْفَة " تِشْرين"،
و بِنُبُوّة تَكْبُر على آمال "الجواهري" نَشْوانة.
و تُحْزِنُني البَيْداءُ و تُحْزنُني القَوافِل،
و تُؤْلِمُني أَوادِم ما تَزالُ غَواِفل،
لا رَبيع و لا صَيف و لا دَليل.
و تُشْقيني دُموعُ ثَكالى البَيْت الحَزين،
طِفلةٌ أُمّها دَفينَة و أَبوها شَرّدته الذئاب.
لا لَن تُمارسين الرُّكوعَ يا عِراق،
لن يَسْتَسْلِم قُرآنُك لِقَدَر المُحال،
لا .. لَن تُسْتَعْبدي يا عِراق،
لا و رَبّ التّين و الزَّيتون و الخَبَر اليَقين،
لن تَسْجُدَ صَوامِعك و قِبَبَ آلامِك،
لن يَنالَ خَنْجَر الاسْتِعمارِ راياتِك،
لن تَسْتَسلمَ مُهَنّداتُ سُيوفِك العِتاق،
عَرَبِيّة أنَتِ مِن قَبل بِدايَة الكَون،
و تَشَعّبِ أَحْرُف الضّادِ بِأَسْبابْ.
عَرَبِيّة أَنْتِ حتى مُنْتَهى الثُّمالَة،
و خاِلدَة  حتى مُنتَهى الكَمالَة.
وعِزَّةُ نَفْسٍ على شموخ النظر
َمطر.. مَطر.. مَطر..



 
  فؤاد اليزيد السني(بروكسل/بلجييكا) (2009-01-30)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الخالِدَة-فؤاد اليزيد السني(بروكسل/بلجييكا)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia